کد مطلب:145494
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:296
الحکمة فی خروجه
ان قلت: ما الحكمة فی خروجه صلوات الله علیه من المدینة الی مكة و منها قاصدا الی الكوفة و هو علیه السلام یعلم بعلم الامامة، و أخبار جده و أبیه صلوات الله علیهم فی موارد كثیرة أنه علیه السلام یقتله الفئة الباغیة، كما أنبأ هو علیه السلام عن نفسه به، و هذا مما لا یغیر به أثر الشك؟ كیف؟ و هم خزان الله علی علمه، و یعلمون علم ما كان و ما یكون الی قیام الساعة، و عندهم علم المنایا و البلایا، و مفاتیح العلم، و أبواب الحكم، و فصل الخطاب. فكیف اختار علیه السلام الخروج الی السیوف الباترة، و الوقوع فی الفتن الثائرة، التی حملتها صدور الطغاة، و احرزتها نفوس العداة؟
قلنا أولا: ان هذه المسألة من غوامض المسائل التی قدر ارتفعت عنا شوائب التكلف فیها و دواعی التكلیف بها، فاللازم علی من تحری طریق الصواب و سبیل النجاة ارجاعها الی أنفسهم علیهم السلام.
و ثانیا: انهم معصومون لا یصدر عنهم معصیة - لا كبیرة و لا صغیرة - فكل ما یظهر منهم من الأقوال و الأفعال فهو محبوب و مرضی عند الله عزوجل.
ثالثا: ان بنی امیة لعنهم الله لشدة عدواتهم و كثرة كفرهم و حسدهم كانوا
مترصدین بقتله علیه السلام بكل عیلة وحیلة، و هو علیه السلام یعلم أنهم لا یسالمونه و لا یتركونه أبدا فی مكان، سواء المدینة أم غیرها، كما قال علیه السلام:
«لو كنت فی حجر هامة من هوام الأرض لا ستخرجونی منه و یقتلوننی».
و مع هذا كان یصدر من أهل الكوفة مكاتبات و مواثیق یدعونه الیهم، ففی خروجه علیه السلام اتمام للحجة علیهم.
و رابعا: انه یصدر عنهم علیهم السلام فی أوقات امور و معاجز تعجز طاقة البشر عنها و یمتنع وصول الأوهام الیها و فی سائر الأوقات یعملون بطریق عرفنا و عادتنا، و الا لارتفعت الحكمة الالهیة فی بعث الله الهادی منا، كما یشهد به ما رواه الصدوق رحمه الله فی «العلل» و «الاكمال» و الشیخ الطبرسی رحمه الله فی «الاحتجاج» عن محمد بن ابراهیم بن اسحاق الطالقانی قال:
كنت عند الشیخ أبی القاسم الحسین بن روح قدس الله روحه مع جماعة فیهم علی بن موسی القصری، فقام الیه رجل فقال: ارید أن أسألك عن شی ء؟
فقال له: سل عما بدالك؟
فقال له الرجل: أخبرنی عن الحسین بن علی علیهماالسلام أهو ولی الله؟
قال: نعم.
قال: أخبرنی عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟
قال: نعم.
قال الرجل: فهل یجوز أن یسلط الله عدوه علی ولیه؟
فقال أبوالقاسم قدس الله روحه: افهم عنی ما أقول لك، اعلم أن الله عزوجل لا یخاطب الناس بشهادة العیان، و لا یشافههم بالكلام، و لكنه عزوجل بعث الیهم
رسولا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم.
فلو بعث الیهم رسلا من غیر صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم یقبلوا منهم، فلما جاؤهم و كانوا من جنسهم یأكلون الطعام، و یمشون فی الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتی تأتونا بشی ء نعجز أن نأتی بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر علیه.
فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التی یعجز الخلق عنها:
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الاعذرا و الانذار فغرق جمیع من طغی و تمرد؛
و منهم من القی فی النار فكانت علیه بردا و سلاما؛
و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجری فی ضرعها لبنا؛
و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العیون، و جعل العصا الیابسة ثعبانا فتلقف ما یأفكون؛
و منهم من أبرء الأكمه و الأبرص، و أحیی الموتی باذن الله عزوجل، و أنبأهم بما یأكلون و ما یدخرون فی بیوتهم؛
و منهم من انشق له القمر و كلمه البهائم مثل البعیر و الذئب و غیر ذلك.
فلما أتوا بمثل المعجزات، و عجز الخلق من اممهم عن أن یأتوا بمثله كان من تقدیر الله عزوجل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبیاءه مع هذه المعجزات فی حال غالبین، و فی اخری مغلوبین، و فی حال قاهرین، و فی حال مقهورین.
و لو جعلهم عزوجل فی جمیع أحوالهم غالبین و قاهرین، لم یبتلهم و لم یمتحنهم لا تخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل، و لما عرف فضل صبرهم علی البلاء و المحن و الاختبار.
و لكنه عزوجل جعل أحوالهم فی ذلك كأحول غیرهم، لیكونوا فی أحوال المحنة و البلوی صابرین، و فی حال العافیة و الظهور علی الأعداء شاكرین، و یكونوا فی جمیع أحوالهم متواضعین، غیر شامخین و لا متجبرین.
و لیعلم العباد أن لهم الها هو خالقهم و مدبرهم، فیعبدوه و یطیعوا رسله و تكون حجة الله تعالی ثابتة علی من تجاوز الحد فیهم، وادعی لهم الربوبیة، أو عاند و خالف و عصی و جحد بما أتت به الأنبیاء و الرسل، و لیهلك من هلك عن بینة، و یحیی من حی عن بینة.
قال محمد بن ابراهیم بن اسحاق رضی الله عنه: فعدت الی الشیخ أبی القاسم الحسین بن روح رضی الله عنه فی الغد و أنا أقول فی نفسی: أتراه ذكر لنا [1] یوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأنی و قال: یا محمد بن ابراهیم! لأن أخر من السماء فتخطفنی الطیر، أو تهوی فی الریح فی مكان سحیق [2] أحب الی من أن أقول فی دین الله تعالی برأیی أو من عند نفسی، بل ذلك عن الأصل، و مسموع من الحجة صلوات الله علیه و سلامه [3] .
[1] في البحار: ذكر ما ذكر لنا.
[2] السحيق: البعيد، «منه رحمه الله».
[3] علل الشرائع: 230 / 1 ح 1، كمال الدين: 184 / 2، الاحتجاج: 285 / 2، البحار: 273 / 44 ح 1.